المافيا الروسية ليست شيئا مرعبا، لو فهمت ظروف نشأتها ،فمثل كل بلد ،كان لروسيا القيصرية نصيبها الخاص من المجرمين و حثالة المجتمع . لكن نقطة التطور الحقيقية. كانت في ظهور الحكم الشيوعي .
في العشرينيات كان تأميم المزارع و سحب الملكية الخاصة من الفلاحين الروس و الاوكرانيين و جعلهم اقنانا من جديد ،بيد الدولة ، حدثا مأساويا.
بسبب مصادرة الدولة للمحاصيل المنتجة و نقلها للمدن ،نشأت مجاعة كبرى في الريف استمرت من نهاية العشرينيات إلى مطلع الحرب العالمية الثانية.
في هذا الوقت تعززت فكرة الجريمة ،بنظرية فلسفية مفادها ،انه اذا لم تكن هناك ملكية خاصة ،فأنت فعلا لا تسرق من أحد، و ان الدولة التي يفترض أن تكون قيصرا عادلا ، تصادر مجهودك و القمح أو البطاطس لتطعم أناسا آخرين.
فبالتالي، سرقة الظالم حلال .
و طبعا لان ستالين ،كان لا يطيق اي معارضة، و لتوفير المال ،تم افتتاح معسكرات العمل السوفييتية، و هي سجون مفتوحة في منتصف اللامكان الشاسع ،حيث يعمل المغضوب عليهم من قبل الدولة في التنقيب عن الفحم أو مد خطوط السكك الحديدية. مقابل وجبة واحدة يوميا . و في أحيان كثيرة كان النفي يشمل أسرا كاملة بأطفالها أو شعوب حتى .مثل الشيشان الذين تم نفيهم من اراضيهم لسيبريا قرابة العقدين .
في هذة المعسكرات اخذت المافيا الروسية بالتشكل. كمنظمة من اللصوص الذين ينقسمون إلي مراتب ،تحدد بدقة الواجبات و العوائد و تقوم بمناهضة السلطة الحاكمة .
باخان، كان اللقب التتري للزعيم في منطقته، اللص الأكبر، شيخ الحرامية، و كان أتباعه يميزون أنفسهم بعبارة ،لصوص قانونيون، فوري في زاكوني، و كان الانضمام لهذة المنظمات التي نشأت كالفطر في كل معسكر اعتقال أو مكان مناهض للسلطة ،كان متاحا للجميع بدون تمييز عرقي مثل المافيا الايطالية أو اليابانية .
في وقت ما في العشرينات ،اخذ هؤلاء اللصوص بالاغارة على مخازن الحبوب و قطارات الشحن و كلفت حملة القضاء عليهم الدولة السوفيتية الكثير .
الجدير بالذكر أن ستالين نفسه في بدايات القرن العشرين كان يقود منظمة شيوعية شبيهة. و كان من اكبر انجازاته السطو على الخزانة القيصرية في باكو .
و هكذا ، و مع اشتراك العديد من هؤلاء مع الألمان في وحدات حفظ النظام في الحرب العالمية الثانية. في اوكرانيا و روسيا تحولت هذة المنظمات لوحدات عسكرية كاملة. و مع نهاية الحرب . و تفكيك هياكل دولة الرعب الستالينية .عاد المنفيون إلي اسرهم و قراهم، لكن بولاءات لمختلف العصابات التي عاشوا ضمنها في السجون والمعتقلات.
قد تعتقد أنه في فترة الازدهار و السلام التي عرفها السوفييت في الخمسينات والستينات، قد تراجع دور المافيا . و بالتأكيد انت مخطيء.
في بلد لم يكن به فرصة لامتلاك شيء خاص ،لا يمكنك الذهاب للقاضي و الشكوى أن زبونك لم يدفع ثمن القماش الذي اشتراه منك . ببساطة انت ممنوع أن تبيع القماش لأنه لا يجوز لك امتلاك نول في منزلك. الأمر شبيه بأن تشتكي شخصا اشترى منك الحشيش و لم يسدد ثمنه.
و هكذا ،كان الناس يلجؤون للباخان. و هو كان يحسم هذة المنازعات و يتحصل على المبالغ مقابل نسبة .
و هكذا ،مع البضائع المهربة و صناعات خارج القانون في معظم البلدان مثل الدعارة و المخدرات .كانت فوري ف زاكوني ، تنظم كل هذا .
و مع انهيار النظام في التسعينات ،تقدمت المافيا الروسية للقيام بمهام مثل حفظ الأمن و تنظيم التحول الديمقراطي أو السيطرة على المصانع و البنوك و حتى في حالة الشيشان و انجوشيا، لدعم النزعات الانفصالية في الأقاليم السوفييتية المختلفة .
هذا الوضع .انتج ببساطة مجرمين مؤمنين بالجريمة كطريقة حياة ،لا يخشون التعرض للسلطة ، و لا يضايقهم اجتماعيا وصمهم بالمجرمين.
حاليا و مع بسط الدولة نفوذها و السماح بالعمل الخاص و الملكية الخاصة. تراجع نفوذ المافيا كثيرا ،و اتجه كثير من الباخانات للعمل بواجهات قانونية أو تركوا القابهم و تم استيعابهم في طبقة محدثي النعمة التي نشأت في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة .
رابط الصورة
https://www.pexels.com/photo/mafia-boss-man-hat-8190/