مدونة طارق هاشم

ذكريات

كنت اذهب للعمل في مزرعة جدي ايام الثانوية ، في الطريق ،كانت بقايا الفيلا الانجليزية الطابع علي التل المرتفع ،تقف وحيدة شامخة . المبنى كان لاحد اقاربي المتوفين قبل سنوات طويلة و كأغلب البيوت المميزة ، اطلق عليه سكان المدينة لقبه الخاص ،( القلعة) كانت العبارة المناسبة لوصف المنزل العالي بمساحة تفوق الكيلومترين بعدة عشرات الامتار .
كانت احلام يقظتي تلك الايام ،تشمل مشهدا متكررا ،اكون فيه ،سيد القلعة ، صاحب الفيلا الانيقة ذات الفرندا الخشبية و تعاريش الكروم ، مطلا علي المدينة ، و حقول البرسيم الحجازي قرب النيل المتكاسل البطيء ، و كما كل احلام اليقظة ، لم اعد اتذكرها الا لماما …

مرت اعوام كثيرة … و نسيت ، فقد انشغلت بتحقيق حلمي الرئيس من تلك الفترة ، انشاء ورشة المحركات الافضل ،حيث اصنع ما اريد اضافة الي بحبوحة العيش الذي تحقق .
في يوم ، زارني بعض الاهل ،و اخبروني ان (القلعة) ستباع ، لكن و بسبب ان المالك توفي و كذلك كثير من ورثته ، فأن المشتري و هو احد اقاربي ، لن يستطيع تحويل انصبة الملكية مباشرة ، تعقيد قانوني غريب ، كان المفروض ان يتنازل الورثة لاحدهم ، و عندما تكتمل التنازلات تتحول الملكية للمشتري ، و هكذا ، كنت انا هذا ال ( أحدهم) ، و علي امتداد عامين ، كنت مالكا رسميا للفيلا ،دون ان ادفع فيها قرشا واحدا .

هذة الحادثة ، لفتت انتباهي للمرحلة الحالية ، ضمن احداث غريبة اخرى ، فقدان الثروة و المنزل، و كل قدرة مالية ، الطرق التي اغلقت كلها ، و أزمة أسرية تحولت الى كابوس ، الحفرة ،التي لا تقتل ،لكنها تجعلك سجينا .

بعد عدة اعوام تعلمت خلالها الكثير، استجمعت شجاعتي ، ذهبت لكورنيش النيل ، وقفت علي تل صغير ،اغمضت عيني ، و رأيتني اشرب قهوة الصباح من بلكونتي علي النيل ، رأيت الاشجار امامي ، الابقار التي ترعى في حقول البرسيم المحصودة ،سمعت اصوات القمري و شممت رائحة النهر ..
واصلت لشهر او اكثر ، و كل مرة كانت الصور و الاصوات و الروائح تزداد حدة و وضوحا ،حتي جاءت تلك اللحظة حيث كنت احس بملمس الحائط في اطراف اصابعي .. بعدها ايقنت .

في بحثنا ( انا و والدتي، التي اعمل عندها الان ) عن ارض ، قابلني سمسار ،اخبرني ان مهاجرا الي استراليا لديه ارض علي ضفة النهر ، و انه يحتاج مبلغا ماليا سريعا ،جزء من ثمن الارض ، عربون ،و لكنه لن يكمل البيع قبل عام ، لم يرغب اي شخص بالتعامل معه ،بسبب طول فترة الانتظار ، لكنه كان الهدية بالنسبة لي و لاسرتي ،و هكذا ابتدأت حكايتي مع منزلي الحالي …
في خلال عامين من وقوفي علي ذلك التل ، كنت اشرب القهوة صباحا من ال(mug) امام النهر ،استمع لصوت القمري في الصباح البارد و اراقب ظهور الشمس في الافق الشرقي ، الخلاصة ، برغم ان المنزل اليوم ليس مسجلا باسمي ، بل باسم والدتي ، الا انني تعلمت ان كل ثروات العالم ،تكمن في ذهني ، مجرد خيالي يحقق المعجزة ،ايا يكن حجمها و ببساطة ، لن اتوقف عن احلام اليقظة ،لانها دائما تتحقق.

1 فكرة عن “ذكريات”

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى