مدونة طارق هاشم

أين ذهبت الانترنت

أين ذهبت الانترنت

أين ذهبت الانترنت؟

زمان كان عالم الانترنت مختلفا ،في التسعينات، كانت الانترنت مكانا غريبا جدا عن انترنت اليوم . ليس فقط في السرعات او البرامج المستخدمة .بل المحتوى نفسه .

هل تعلم أن جوجل و باقي محركات البحث اليوم في معظم عمليات البحث تقوم بحجب الصفحات ؟

اكتب اي شي في المحرك .سيظهر لك مثلا مليون نتيجة . اذهب الى الصفحة العاشرة مثلا ،ستجد ان المحرك لا يظهر ابعد من ١٥ صفحة فقط .يعني ١٥٠ نتيجة بحث فقط .طيب و باقي المليون نتيجة ؟ ببساطة لن تظهر . انظر إلى أعلى صفحة البحث ستجد ان عدد النتائج تم تقليصه من مليون إلى مائة و خمسين فقط .

طبعا معظم الناس لا يكلفون أنفسهم بالبحث ابعد من صفحة او اثنين ،لكن زمان ،كانت اهمية الانترنت في الصفحات البعيدة في الخلف ،حيث توجد افكار جديدة او قديمة ،مختلفة عن السائد ، هكذا مثلا انا تعرفت على إريك دولارد، عالم الزلازل صاحب الأفكار المختلفة في مجاله ،و ايضا على حزب الشاي الأمريكي و اعمال الليبرتاريين و كثير من الأشياء الجديدة فكري

هذا العالم اختفى .ببساطة لن تجده .لان محركات البحث لن تظهره.

و ان كنت تعتقد أن هذة مصيبة …اسمع الجاي

٧٠ في المية من بحثك على جوجل هو تكرار لنفس الصفحة

يعني ال ١٥٠ نتيجة او ٤٥٠ (حسب عدد الصفحاتالاي يسمح جوجل بظهورها) هي تكرار لعشرين نتيجة فقط ،تزيد او تنقص قليلا . يعني حتى هذة النتائج ،هي تكرارات لنفس الإجابة. قد يكون هذا معقولا في إجابة عن سؤال علمي .بس حتى لو طلبت وصفة للبرياني او الكبسة ،ستكون محصورا في عدد قليل من الوصفات . في بداية القرن ،كنت ستجد حرفيا مئات الطرق لتحضير اي اكلة .

و لمزيد من التخريب … جوجل قام منذ عشر سنوات تقريبا باعتماد سياسة الإجابة الواحدة .يعني … الإجابات لا يمكن أن تكون معارضة لبعضها البعض . هي إجابة واحدة يا سيد … يتم تكرارها من اكثر المواقع، و يتم حذف الإجابات المخالفة لها . هذا يعني أنك أن تسمع حجج مخالفة لما هو سائد في المواقف المثيرة للجدل . لن تجد صفحة تذكر موضوع من زاوية مختلفة .

هل هذا سيء كفاية؟

خد الثقيلة … ثلاثة ارباع عمليات البحث تظل في المحرك نفسه و لا تغادره. يعني لو سألت عن حشرة معينة ،جوجل سيكون مجهز مقالين او اكثر في الصفحة الأولى، تقرأهم و تتكل على الله ،غالبا من ويكيبيديا، التي هي موقع سيء فعلا في إدارة التنوع الفكري ،انا كنت اكتب فيها في ٢٠١٠ ،و اي معلومة او رأى مخالف للسائد ،يمنع نشره .

طيب ،أين يذهب الناس لتبادل الأفكار؟

طبعا إلى الانترنت ٢ ،اللي هي فيسبوك و جوجل بلس و جوجل بلوج و انستاجرام و تيكتوك الخ …

حيث ستجد (المعايير ) التى ستمنعك ببساطة من قول اي شيء لا يتوافق مع السائد.

طبعا شبكة الإنترنت في التسعينات كانت كلها موقع تواصل واحد كبير ، و مع ظهور مواقع مثل فريندستر او ماي سبيس ،تم تسمية هذة الشبكات المغلقة على نفسها ب الانترنت الثانيه. حيث يظل الزائر في نفس الفقاعة، مع نفس الناس و الاراء .

هل هذا كل شيء …؟

في الحقيقة هناك الأسوأ

في الانترنت اليوم

على الاقل نصف المستخدمين ،ليسوا بشرا حقيقيين ، لذلك عندما ترغب في عمل بريد إلكتروني او التسجيل في حساب بنك، يوضع سؤال هل انت روبوت ؟

هذة الروبوتات تقوم بعمل اللايكات و الرد بشكل متكرر على نفس المواضيع. ستجدها منتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي و بالذات في تويتر .كيف عرفنا هذا

عند محاولة ايلون موسك ،شراء تويتر ،فجأة ،اختلف عدد المتابعين للحسابات الكبيرة ، مثلا سياسيين كان عندهم مليون متابع، أصبح متابعوهم بآلاف فقط . و قس على ذلك ،يرغب ممثل في الحصول على نصف مليون لايك و مائة ألف متابع لحسابه الجديد، يكفي ان يدفع لشركة و هي تملأ الحساب بالروبوتات .النتيجة ،في محركات البحث يظهر هذا الممثل او الفنان او السياسي في أعلى القائمة ،و بالتالي يحوز هو الشهرة او الاهتمام الذي يترجم ال سلطة او مال .

أين ذهبت الانترنت ؟

في زمن مضي قبل ٢٥ عام ،كنت انا و كل الداخلين للشبكة نمتلك مفكرة صغيرة ،نكتب بها اسماء المواقع التي تهمنا ،و كانت هناك مواقع صغيرة بها صفحات فيها لينكات للمواقع المختلفة ،لم تكن محركات بحث ، و إنما مجهود شخصي ،يسمح لك ان تقرأ اشياء مختلفة ،عادة ما تكون غير مهمة ،لكن من وقت لآخر ،توجد بها جواهر حقيقية.

هذا العالم اختفى

و أصبحت الانترنت جريدة حكومية كبرى

رابط الصورة

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى