مدونة طارق هاشم

حكاية السبعة و اربعين ساموراي

رونين

في العام 1701 في ايدو ،الاسم القديم لطوكيو ،اجتمع عدد من زعماء قبائل اليابان (دايميو) ،من أجل مراسيم الولاء السنوية ، كان من بين هؤلاء الشاب ،اسانو ناجانوري ،حاكم عشيرة متواضعة يأتي لأول مرة إلى المراسم.
و لأن المراسم معقدة نوعا ما ،و لأن اسانو مجرد ريفي جاهل بقواعد البلاط ، قام البلاط بتعيين (كيرا) الموظف الكبير في إدارة القصر ،لتعليم اسانو و غيره من القادمين الجدد ،آداب البلاط و طريقة التعامل مع الشوجون ،حاكم اليابان الفعلي.
كان كيرا مقرفا، لم يتوقف عن مضايقة اسانو و رفاقه من الزعماء الشباب . الرسالة كانت واضحة ،دفع باقي الزعماء رشوة لإرضاء كيرا ،الذي تغيرت معاملته مع طلابه و أصبح مهذبا، لكن اسانو رفض دفع الرشوة، لأن مهمة كيرا كانت رسمية و لأنه لم يكن ليخرق القانون.
في يوم الاحتفال ،بينما كان الدايميو يعبرون بوابة القصر ،مر اسانو بقرب كيرا ،الذي شتمه بصوت منخفض تحقيرا، و وصفه بالريفي الجاهل . كان هذا أكثر مما يتحمله الزعيم الشاب ،فاستل سيفه و صفع به الموظف كيرا، محدثا جرحا في جبهته. سرعان ما تدخل حرس القصر و توقف النزاع ،لكن …. كان استعمال السيف في نزاع داخل باحة القصر الإمبراطوري جريمة كبرى ،عقوبتها الإعدام.
اسانو بالإضافة لفقدانه حياته ،تم تجريده من أرضه و ضمها لاراضي الدولة ،و طلب منه تسريح جنوده ،الساموراي ،الثلاثمائة و عشرين .
منح اسانو ناجانوري، تشريفا اخيرا من البلاط بالسماح له بالانتحار ،عوضا عن الإعدام الذي يعامل به المجرم العادي في اليابان . قام اسانو بالانتحار ، لكن القصة لم تنته هنا.

الساموراي ،هم شيء أشبه بالمماليك في ثقافة الشرق الاوسط. ساموراي تعني (يخدم) ،هؤلاء الجنود كان ولاؤهم لسيدهم فقط و ذريته من بعده ،و كان لكل زعيم عشيرة عدد منهم ،يقوم بتربيتهم منذ الطفولة على القتال . و كانوا مكلفين بحماية المنطقة و حفظ النظام في أملاك الزعيم ،و طبعا ،القتال ضد الزعماء الآخرين.
هذا النظام ضمن أن تكون اليابان في حالة حرب أهلية لا تنتهي .ببساطة وجود الساموراي و الزعماء ،كان سببا للحرب و مع نهاية الحروب الكثيرة بسيطرة عشيرة طوكوجاوا، قرر مؤسس العشيرة الياسو طوكوجاوا، أن يحضر الدايميو إلى طوكيو لتقديم الولاء أربعة أشهر كل عام ، هذة الاحتفالية الطويلة المملة ،كانت مخصصة لانهاك خزائن الدايميو و تضييع وقتهم .حتى لا يفكر أحدهم بالقتال ضد جيرانه.

في حال خسارة الزعيم لارضه، يفقد مماليكه، الساموراي وضعهم و يتحولون إلى(رونين) ،ساموراي تائه بدون سيد .
هذا ما حدث مع الثلاثمائة و عشرين ساموراي في أرض اسانو، كلهم بعد سماع خبر انتحار السيد و إلحاق الأرض بالدولة ،قرروا الذهاب لحال سبيلهم ،إلا سبعة و أربعين ساموراي ،قرروا سرا الانتقام من كيرا .

و لأن المعركة كانت لاستعادة شرف سيدهم ،الذي حفظت رفاته في معبد سينجوكو في طوكيو ، قرر هؤلاء الساموراي اخبار كيرا بانهم قادمون لقتله في العام التالي .
أحد الساموراي ،تولى مهمة حكاية القصة من وجهة نظر اسانو و اخبر الجميع ان رفاقه ينوون قتل كيرا ،عقابا له على توريط اسانو في ارتكاب جريمة لم يكن يعرفها.

كيرا ،عالما بأن حياته في خطر ،قام بتحصين منزله، القلعة الصغيرة في طوكيو . و لكن التهديد دمر اعصابه، فاتجه نحو الإدمان على الخمر و لحماية أسرته، طردهم جميعا ،إلا ابنه البكر الذي أصر على البقاء معه .
بعد عام و نصف تقريبا ،اجتمع الساموراي السبعة و الاربعون، لتنفيذ تهديدهم، كانوا جميعا متنكرين في حياة مختلفة خلال العام السابق هربا من ملاحقة الشرطة ،في ليلة محددة ،اجتاحوا قلعة كيرا الصغيرة ،هذا الهجوم كان جريئا جدا و دمويا ،حيث قتل فيه كل حراس كيرا الأربعين ليلتها بالإضافة إلى ابنه البكر.
وجد المهاجمون كيرا مختبئا في إحدى زوايا القلعة بعد معركة استمرت ساعتين ، عرض الساموراي على كيرا الموت بشرف ،عبر الانتحار مثلما فعل سيدهم اسانو قبل عام ،لكن الموظف الفاسد لم يمتلك الشجاعة على قتل نفسه ، ببساطة قام أحدهم بقطع رأسه و حمله معه من القلعة الى معبد سينجوكو حيث توجد رفاة اسانو، في الطريق سار الساموراي الذين فقدوا أربعة من رفاقهم فقط في الهجوم ،ساروا ببطء نحو المعبد في أطراف طوكيو حاملين الرأس ، في الطريق انضم إليهم حشد كبير جدا من المتفرجين و عندما وصلوا إلى المعبد ،قاموا بغسل رأس كيرا بأحترام و وضعها أمام شاهد قبر اسانو .
و عندما تأخر وصول السلطات ،ذهب أحد الساموراي إلى الشرطة و طلب منهم القدوم .

كانت القضية معقدة جدا …
من ناحية ،قتل موظف حكومي كبير في البلاط بمعركة في العاصمة ،جريمة لا يمكن السكوت عليها . و لكن ولاء الساموراي و بحثهم عن العدل لزعيمهم أمر حصل على تعاطف جماهيري كبير، ناهيك عن أن قتل كيرا ،مثل للياباني العادي فرصة للانتقام في اللاوعي من كل الموظفين الحكوميين الفاسدين .
حاكم اليابان العسكري (الشوجون) كان راغبا في العفو .لكن المجلس قرر

الإعدام بالإجماع، لذلك و كبادرة تكريم اخيرة، تقرر إعادة اسم اسانو لسجل السادة الاقطاعيين ،مع منح ابنه الطفل عّشر أراضي والده المصادرة ،و تم معاملة الساموراي كسادة، اي منحوا الحق في الانتحار بدلا عن الإعدام. و هذا ما تم في باحة معبد سينجوكو، أمام قبر سيدهم اسانو. و هناك تم دفن رفاة ستة و أربعين ساموراي و ظل القبر السابع و الاربعين خاليا ،إذ أن الرجل الذي تولى الحديث باسمهم و تحذير كيرا حصل على عفو الشوجون و سيعيش عمرا طويلا يحكي قصتهم و عندما يموت بسبب التقدم في العمر بعد عشرات السنين ،يدفن في مكانه الخالي قرب سيده و رفاقه.
رابط الصوره
https://www.pexels.com/photo/man-people-camera-dark-6233487/

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى