مدونة طارق هاشم

اسطورة العودة

اسطورة العودة

اسطورة العودة

مصطلح لوصف افكار العمال المهاجرين الى اوروبا و الامريكتين ، كانوا يعيشون في المانيا مثلا بينما قلوبهم في تركيا و بدلا من شراء بيت في الارجنتين ،كانوا يحلمون بمزرعة قرب اثينا ، ينجبون ابناءهم في ثلوج كندا و قلوبهم معلقة بأرز لبنان و هكذا،عاشوا منقسمين العمر كله.


سقط ملايين المهاجرين من الجيل الاول في فخ (العودة) ، عاشوا (مؤقتا) في بلدان المهجر ، حتي تقاعدهم او موتهم ، كانت اجسادهم في المهجر ، لكن اوطانهم كانت تحتلهم من الداخل ، ظل العمال المؤقتون من تركيا و الجزائر و اليونان ، عمرا باكمله في المهجر ، تزوجوا نساء من حواريهم الوطن ،انجبوا اولادهم في المهجر ،و عاشوا منعزلين ،بمساجدهم و كنائسهم و قلنسواتهم الصغيرة ،هذة كانت ثقافة انعزال ،كما لو انهم يعيشون في مستعمرة للجذام ، لا يتفاعلون مع المحيط ،يسجنون انفسهم و يرفضون العالم الذي يسكنونه .

اسطورة العودة


في الحقيقة ، من عاد منهم كان الاستثناء ،ماذا يبقى من الوطن بعد عشرات الاعوام في الغربة ؟
لا شيء ،لا اهل ،لا اصدقاء و لا خبرة حياة ،انت تلغي كل فرصة للسعادة او تحد منها ، بانتظار يوم عودتك ،الذي لن ياتي …
في تلك المدن الصغيرة على امتداد العالم الثالث ،توجد ملايين المنازل الجميلة التي بناها مغتربون ،كلفتهم عمرا بأكمله لكنهم لن يسكنوها او سيقضون فيها آخر السنوات المتهدمة ، ستكلفهم هذة المنازل ايضا ،لانهم يقضون العمر في منازل الايجار في غربتهم ، و كان بمقدورهم شراء منزلين هناك بثمن الواحد في الوطن .
التقاليد و العادات السخيفة يتم تقديسها فقط لمخالفة المهجر ،كي لا (يذوب) الابناء في البلد الوحيد الذي عرفوه ، و هكذا ،يحملون القيد هم ايضا ، لا يمكنك ان تعبد الله الا ان كنت تتحدث بالتركية او العبرية و لن تتزوج حقا الا ان كانت زوجتك تتحدث بلغة امك و زملاء العمل ،مجرد الات ،تقابلهم اربعين عاما دون ان تزورهم في منازلهم لمرة واحدة.

المنشور ليس موجها فقط للمغترب ،اسطورة العودة لا تعشعش في ذهنه فقط ،انما نحمل جميعا ،اسطورة عودتنا الخاصة بنا ، ربما الي جنة ما فقدناها ،الى حي عشنا فيه طفولتنا او الى زمن سابق ، انتهى و لن يعود ،لاننا نمضي في الزمن بلا رجوع .
انغمس في يومك الحالي ،في جغرافية المكان الذي تسكنه الان ،اقبل و احتضن وضعك ،كن ابن يومك و مكانك ،تمتع بفرص الآن ،عش فعلا هنا . قد لا يأتي الغد ابدا ،و ربما ان أتى وجدت أنك لم تعد انت ،او ان الغربة الفعلية هي وطنك الذي توهمته و لم يبق هناك.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى